حدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه قال
عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال قلت أفأتصدق بشطره قال لا الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك قال قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة قال رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة
حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا سفيان بن عيينة ح و حدثني أبو الطاهر وحرملة قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس ح و حدثنا إسحق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر كلهم عن الزهري بهذا الإسناد نحوه و حدثني إسحق بن منصور حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن سعد قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي يعودني فذكر بمعنى حديث الزهري ولم يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في سعد بن خولة غير أنه قال وكان يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها
عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال قلت أفأتصدق بشطره قال لا الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك قال قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة قال رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة
حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا سفيان بن عيينة ح و حدثني أبو الطاهر وحرملة قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس ح و حدثنا إسحق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر كلهم عن الزهري بهذا الإسناد نحوه و حدثني إسحق بن منصور حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن سعد قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي يعودني فذكر بمعنى حديث الزهري ولم يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في سعد بن خولة غير أنه قال وكان يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها
قوله في حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - : ( عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع أشفيت منه على الموت )
فيه : استحباب عيادة المريض , وأنها مستحبة للإمام كاستحبابها لآحاد الناس , ومعنى ( أشفيت على الموت ) أي : قاربته وأشرفت عليه , يقال : أشفى عليه وأشاف , قاله الهروي وقال ابن قتيبة : لا يقال أشفى إلا في الشر , قال إبراهيم الحربي : الوجع اسم لكل مرض . وفيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة أو دعاء صالح أو وصية أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك , وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه فإنه قادح في أجر مرضه .
قوله : ( وأنا ذو مال )
دليل على إباحة جمع المال , لأن هذه الصيغة لا تستعمل في العرف إلا لمال كثير .
قوله : ( ولا يرثني إلا ابنة لي )
أي : ولا يرثني من الولد وخواص الورثة , وإلا فقد كان له عصبة , وقيل : معناه : لا يرثني من أصحاب الفروض .
قوله : ( أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا . قلت : أفأتصدق بشطره . قال : لا . الثلث والثلث كثير )
بالمثلثة وفي بعض بالموحدة , وكلاهما صحيح , قال القاضي : يجوز نصب الثلث الأول ورفعه , أما النصب فعلى الإغراء أو على تقدير فعل , أي : أعط الثلث , وأما الرفع فعلى أنه فاعل , أي : يكفيك الثلث , أو أنه مبتدأ وحذف خبره , أو خبر محذوف المبتدأ .
وفي هذا الحديث مراعاة العدل بين الورثة والوصية , قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : إن كانت الورثة أغنياء استحب أن يوصي بالثلث تبرعا , وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص من الثلث . وأجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث إلا بإجازته , وأجمعوا على نفوذها في جميع المال . وأما من لا وارث له فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا تصح وصيته فيما زاد على الثلث , وجوزه أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين عنه , وروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما .
وأما قوله : ( أفأتصدق بثلثي مالي ؟ ) يحتمل أنه أراد بالصدقة : الوصية , ويحتمل أنه أراد : الصدقة المنجزة , وهما عندنا وعند العلماء كافة سواء , لا ينفذ ما زاد على الثلث إلا برضا الوارث , وخالف أهل الظاهر فقالوا : للمريض مرض الموت أن يتصدق بكل ماله ويتبرع به كالصحيح , ودليل الجمهور ظاهر حديث : ( الثلث كثير ) مع حديث : ( الذي أعتق ستة أعبد في مرضه فأعتق النبي صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة ) .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )
العالة : الفقراء . ويتكففون يسألون الناس في أكفهم . قال القاضي - رحمه الله - روينا قوله : ( إن تذر ورثتك ) بفتح الهمزة وكسرها , وكلاهما صحيح .
وفي هذا الحديث : حث على صلة الأرحام , والإحسان إلى الأقارب , والشفقة على الورثة , وأن صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد واستدل به بعضهم على ترجيح الغني على الفقير .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها , حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك )
فيه استحباب الإنفاق في وجوه الخير . وفيه : أن الأعمال بالنيات , وأنه إنما يثاب على عمله بنيته , وفيه أن الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى . وفيه : أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة , ويثاب عليه , وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك ) ; لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة , وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح , فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة , ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى , حصل له الأجر بذلك , فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى , ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة , وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه , وذلك كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى , والنوم للاستراحة ; ليقوم إلى العبادة نشيطا , والاستمتاع بزوجته وجاريته ; ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام ; وليقضي حقها ; ليحصل ولدا صالحا , وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " وفي بضع أحدكم صدقة " والله أعلم .
قوله : ( قلت : يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال : إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله تعالى إلا ازددت به درجة ورفعة )
فقال القاضي : معناه : أخلف بمكة بعد أصحابي ؟ فقاله إما إشفاقا من موته بمكة ; لكونه هاجر منها , وتركها لله تعالى , فخشي أن يقدح ذلك في هجرته , أو في ثوابه عليها , أو خشي ببقائه بمكة بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنهم بسبب المرض , وكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى , ولهذا جاء في رواية أخرى ( أخلف عن هجرتي ) قال القاضي : قيل : كان حكم الهجرة باقيا بعد الفتح ; لهذا الحديث , وقيل : إنما كان ذلك لمن كان هاجر قبل الفتح , فأما من هاجر بعده فلا . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنك لن تخلف فتعمل عملا ) فالمراد بالتخلف : طول العمر والبقاء في الحياة بعد جماعات من أصحابه . وفي هذا الحديث : فضيلة طول العمر للازدياد من العمل الصالح , والحث على إرادة وجه الله تعالى بالأعمال . والله تعالى أعلم .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون )
وفي بعض النسخ ( ينتفع ) بزيادة التاء , وهذا الحديث من المعجزات , فإن سعدا - رضي الله عنه - عاش حتى فتح العراق وغيره , وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم , وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم , وسبيت نساؤهم وأولادهم , وغنمت أموالهم وديارهم , وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق , وتضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم من الكفار ونحوهم . قال القاضي : قيل : لا يحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه بمكة وموته بها إذا كان لضرورة , وإنما كان يحبطه ما كان بالاختيار , قال : وقال قوم : موت المهاجر بمكة محبط هجرته كيفما كان , قال : وقيل : لم تفرض الهجرة إلا على أهل مكة خاصة .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم )
قال القاضي : استدل به بعضهم على أن بقاء المهاجر بمكة كيف كان قادح في هجرته , قال : ولا دليل فيه عندي ; لأنه يحتمل أنه دعا لهم دعاء عاما , ومعنى أمض لأصحابي هجرتهم : أي أتممها ولا تبطلها , ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لكن البائس سعد بن خولة )
البائس : هو الذي عليه أثر البؤس , وهو : الفقر والقلة .
قوله : ( يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة )
قال العلماء : هذا من كلام الراوي وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل انتهى كلامه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لكن البائس سعد بن خولة ) فقال الراوي تفسيرا لمعنى هذا الكلام : أنه يرثيه النبي صلى الله عليه وسلم ويتوجع له ويرق عليه ; لكونه مات بمكة , واختلفوا في قائل هذا الكلام من هو ؟ فقيل : هو سعد بن أبي وقاص , وقد جاء مفسرا في بعض الروايات , قال القاضي : وأكثر ما جاء أنه من كلام الزهري , قال : واختلفوا في قصة سعد بن خولة فقيل : لم يهاجر من مكة حتى مات بها . قال عيسى بن دينار وغيره : وذكر البخاري أنه هاجر وشهد بدرا ثم انصرف إلى مكة ومات بها . وقال ابن هشام : إنه هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية , وشهد بدرا وغيرها , وتوفي بمكة في حجة الوداع , سنة عشر , وقيل : توفي بها سنة سبع في الهدنة , خرج مجتازا من المدينة , فعلى هذا وعلى قول عيسى بن دينار سبب بؤسه سقوط هجرته ; لرجوعه مختارا , وموته بها , وعلى قول الآخرين سبب بؤسه موته بمكة على أي حال كان , وإن لم يكن باختياره لما فاته من الأجر والثواب الكامل بالموت في دار هجرته , والغربة عن وطنه إلى هجرة لله تعالى , قال القاضي : وقد روي في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف مع سعد بن أبي وقاص رجلا وقال له : إن توفي بمكة فلا تدفنه بها , وقد ذكر مسلم في الرواية الأخرى : ( أنه كان يكره أن يموت في الأرض التي هاجر منها ) , وفي رواية أخرى لمسلم ( قال سعد بن أبي وقاص : خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة ) , وسعد بن خولة هذا : هو زوج سبيعة الأسلمية .
وفي حديث سعد هذا : جواز تخصيص عموم الوصية المذكورة في القرآن بالسنة , وهو قول جمهور الأصوليين , وهو الصحيح .
قوله : ( حدثنا أبو داود الحفري )
هو بحاء مهملة ثم فاء مفتوحتين , منسوب إلى الحفر بفتح الحاء والفاء , وهي محلة بالكوفة كان أبو داود يسكنها , هكذا ذكره أبو حاتم بن حبان , وأبو سعد السمعاني وغيرهما . واسم أبي داود هذا ( عمرو بن سعد ) الثقة الزاهد الصالح العابد , قال علي بن المديني : ما أعلم أني رأيت بالكوفة أعبد من أبي داود الحفري . وقال وكيع : إن كان يدفع بأحد في زماننا - يعني البلاء والنوازل - فبأبي داود , توفي سنة ثلاثة وقيل : سنة ست ومائتين , رحمه الله .
فيه : استحباب عيادة المريض , وأنها مستحبة للإمام كاستحبابها لآحاد الناس , ومعنى ( أشفيت على الموت ) أي : قاربته وأشرفت عليه , يقال : أشفى عليه وأشاف , قاله الهروي وقال ابن قتيبة : لا يقال أشفى إلا في الشر , قال إبراهيم الحربي : الوجع اسم لكل مرض . وفيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة أو دعاء صالح أو وصية أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك , وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه فإنه قادح في أجر مرضه .
قوله : ( وأنا ذو مال )
دليل على إباحة جمع المال , لأن هذه الصيغة لا تستعمل في العرف إلا لمال كثير .
قوله : ( ولا يرثني إلا ابنة لي )
أي : ولا يرثني من الولد وخواص الورثة , وإلا فقد كان له عصبة , وقيل : معناه : لا يرثني من أصحاب الفروض .
قوله : ( أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا . قلت : أفأتصدق بشطره . قال : لا . الثلث والثلث كثير )
بالمثلثة وفي بعض بالموحدة , وكلاهما صحيح , قال القاضي : يجوز نصب الثلث الأول ورفعه , أما النصب فعلى الإغراء أو على تقدير فعل , أي : أعط الثلث , وأما الرفع فعلى أنه فاعل , أي : يكفيك الثلث , أو أنه مبتدأ وحذف خبره , أو خبر محذوف المبتدأ .
وفي هذا الحديث مراعاة العدل بين الورثة والوصية , قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : إن كانت الورثة أغنياء استحب أن يوصي بالثلث تبرعا , وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص من الثلث . وأجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث إلا بإجازته , وأجمعوا على نفوذها في جميع المال . وأما من لا وارث له فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا تصح وصيته فيما زاد على الثلث , وجوزه أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين عنه , وروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما .
وأما قوله : ( أفأتصدق بثلثي مالي ؟ ) يحتمل أنه أراد بالصدقة : الوصية , ويحتمل أنه أراد : الصدقة المنجزة , وهما عندنا وعند العلماء كافة سواء , لا ينفذ ما زاد على الثلث إلا برضا الوارث , وخالف أهل الظاهر فقالوا : للمريض مرض الموت أن يتصدق بكل ماله ويتبرع به كالصحيح , ودليل الجمهور ظاهر حديث : ( الثلث كثير ) مع حديث : ( الذي أعتق ستة أعبد في مرضه فأعتق النبي صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة ) .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )
العالة : الفقراء . ويتكففون يسألون الناس في أكفهم . قال القاضي - رحمه الله - روينا قوله : ( إن تذر ورثتك ) بفتح الهمزة وكسرها , وكلاهما صحيح .
وفي هذا الحديث : حث على صلة الأرحام , والإحسان إلى الأقارب , والشفقة على الورثة , وأن صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد واستدل به بعضهم على ترجيح الغني على الفقير .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها , حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك )
فيه استحباب الإنفاق في وجوه الخير . وفيه : أن الأعمال بالنيات , وأنه إنما يثاب على عمله بنيته , وفيه أن الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى . وفيه : أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة , ويثاب عليه , وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك ) ; لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة , وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح , فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة , ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى , حصل له الأجر بذلك , فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى , ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة , وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه , وذلك كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى , والنوم للاستراحة ; ليقوم إلى العبادة نشيطا , والاستمتاع بزوجته وجاريته ; ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام ; وليقضي حقها ; ليحصل ولدا صالحا , وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " وفي بضع أحدكم صدقة " والله أعلم .
قوله : ( قلت : يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال : إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله تعالى إلا ازددت به درجة ورفعة )
فقال القاضي : معناه : أخلف بمكة بعد أصحابي ؟ فقاله إما إشفاقا من موته بمكة ; لكونه هاجر منها , وتركها لله تعالى , فخشي أن يقدح ذلك في هجرته , أو في ثوابه عليها , أو خشي ببقائه بمكة بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنهم بسبب المرض , وكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى , ولهذا جاء في رواية أخرى ( أخلف عن هجرتي ) قال القاضي : قيل : كان حكم الهجرة باقيا بعد الفتح ; لهذا الحديث , وقيل : إنما كان ذلك لمن كان هاجر قبل الفتح , فأما من هاجر بعده فلا . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنك لن تخلف فتعمل عملا ) فالمراد بالتخلف : طول العمر والبقاء في الحياة بعد جماعات من أصحابه . وفي هذا الحديث : فضيلة طول العمر للازدياد من العمل الصالح , والحث على إرادة وجه الله تعالى بالأعمال . والله تعالى أعلم .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون )
وفي بعض النسخ ( ينتفع ) بزيادة التاء , وهذا الحديث من المعجزات , فإن سعدا - رضي الله عنه - عاش حتى فتح العراق وغيره , وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم , وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم , وسبيت نساؤهم وأولادهم , وغنمت أموالهم وديارهم , وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق , وتضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم من الكفار ونحوهم . قال القاضي : قيل : لا يحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه بمكة وموته بها إذا كان لضرورة , وإنما كان يحبطه ما كان بالاختيار , قال : وقال قوم : موت المهاجر بمكة محبط هجرته كيفما كان , قال : وقيل : لم تفرض الهجرة إلا على أهل مكة خاصة .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم )
قال القاضي : استدل به بعضهم على أن بقاء المهاجر بمكة كيف كان قادح في هجرته , قال : ولا دليل فيه عندي ; لأنه يحتمل أنه دعا لهم دعاء عاما , ومعنى أمض لأصحابي هجرتهم : أي أتممها ولا تبطلها , ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لكن البائس سعد بن خولة )
البائس : هو الذي عليه أثر البؤس , وهو : الفقر والقلة .
قوله : ( يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة )
قال العلماء : هذا من كلام الراوي وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل انتهى كلامه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لكن البائس سعد بن خولة ) فقال الراوي تفسيرا لمعنى هذا الكلام : أنه يرثيه النبي صلى الله عليه وسلم ويتوجع له ويرق عليه ; لكونه مات بمكة , واختلفوا في قائل هذا الكلام من هو ؟ فقيل : هو سعد بن أبي وقاص , وقد جاء مفسرا في بعض الروايات , قال القاضي : وأكثر ما جاء أنه من كلام الزهري , قال : واختلفوا في قصة سعد بن خولة فقيل : لم يهاجر من مكة حتى مات بها . قال عيسى بن دينار وغيره : وذكر البخاري أنه هاجر وشهد بدرا ثم انصرف إلى مكة ومات بها . وقال ابن هشام : إنه هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية , وشهد بدرا وغيرها , وتوفي بمكة في حجة الوداع , سنة عشر , وقيل : توفي بها سنة سبع في الهدنة , خرج مجتازا من المدينة , فعلى هذا وعلى قول عيسى بن دينار سبب بؤسه سقوط هجرته ; لرجوعه مختارا , وموته بها , وعلى قول الآخرين سبب بؤسه موته بمكة على أي حال كان , وإن لم يكن باختياره لما فاته من الأجر والثواب الكامل بالموت في دار هجرته , والغربة عن وطنه إلى هجرة لله تعالى , قال القاضي : وقد روي في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف مع سعد بن أبي وقاص رجلا وقال له : إن توفي بمكة فلا تدفنه بها , وقد ذكر مسلم في الرواية الأخرى : ( أنه كان يكره أن يموت في الأرض التي هاجر منها ) , وفي رواية أخرى لمسلم ( قال سعد بن أبي وقاص : خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة ) , وسعد بن خولة هذا : هو زوج سبيعة الأسلمية .
وفي حديث سعد هذا : جواز تخصيص عموم الوصية المذكورة في القرآن بالسنة , وهو قول جمهور الأصوليين , وهو الصحيح .
قوله : ( حدثنا أبو داود الحفري )
هو بحاء مهملة ثم فاء مفتوحتين , منسوب إلى الحفر بفتح الحاء والفاء , وهي محلة بالكوفة كان أبو داود يسكنها , هكذا ذكره أبو حاتم بن حبان , وأبو سعد السمعاني وغيرهما . واسم أبي داود هذا ( عمرو بن سعد ) الثقة الزاهد الصالح العابد , قال علي بن المديني : ما أعلم أني رأيت بالكوفة أعبد من أبي داود الحفري . وقال وكيع : إن كان يدفع بأحد في زماننا - يعني البلاء والنوازل - فبأبي داود , توفي سنة ثلاثة وقيل : سنة ست ومائتين , رحمه الله .